أسئلة وملاحظات حول رواية "طيور سوداء تشبه الغربان" أسئلة وملاحظات حول رواية "طيور سوداء تشبه الغربان"

سوسن عبد الصادق حسن

 

القيمة الأدبية والتأثير:

تُعد رواية "طيور سوداء تشبه الغربان" عملًا أدبيًا يوثق إحدى أهم الفترات في تاريخ اليمن الحديث، وهي حصار السبعين يومًا في صنعاء خلال الحرب الأهلية. وتشكل الرواية إضافة نوعية إلى الأدب اليمني، حيث تعيد تقديم الكاتب عبد الله الأحمدي إلى المشهد الأدبي.

يدمج الكاتب عبد الله الأحمدي بين السيرة الذاتية والتوثيق التاريخي، حيث يستلهم من تجربته الشخصية ليقدم شهادة أدبية حية على معاناة المناضلين والمدنيين في تلك الفترة الحرجة مما يجعلها ذات بعد عالمي يمكن أن يتفاعل معه أي قارئ مهتم بالأدب الحربي والتاريخي.

البناء السردي والأسلوب:

تعتمد الرواية على السرد الواقعي التسجيلي حيث يوظف الأحمدي أسلوبًا يجمع بين التوثيق التاريخي والبعد الإنساني، ويوثق الأحداث بتفاصيل دقيقة من خلال وصف البيئة وتحركات الشخصيات.

الأسلوب واضح ومباشر، مما يعزز واقعية المشهد مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش الأحداث بنفسه. كما يتميز النص بلغة قوية، وصفية ومباشرة، تُسلط الضوء على معاناة الشخصيات وتفاصيل الحياة اليومية أثناء الحصار.

في بعض المشاهد يخرج بنا الكاتب من أجواء الحرب والتوتر العسكري إلى مشهد اجتماعي أكثر حميمية. يتناول الكاتب موضوع العلاقات الاجتماعية والتفاعل اليومي بين الشخصيات، ويتميز السرد في هذه المشاهد بأسلوب واقعي حواري، يعتمد على الوصف التفصيلي والحوار بين الشخصيات لنقل المشهد.

الموضوعات الرئيسة:

الحرب والمعاناة الإنسانية:

تصور الرواية تأثير الحصار على الأفراد والمجتمع، مسلطةً الضوء على التحديات التي واجهها المدنيون والمقاتلون.

التاريخ والذاكرة الجماعية:

تسهم الرواية في توثيق فترة حصار صنعاء، مما يجعلها مرجعًا أدبيًا مهمًا لفهم تلك المرحلة.

تحليل الرواية من الناحية الأدبية:

العنوان ودلالته:

يحمل العنوان "طيور سوداء تشبه الغربان" دلالات رمزية قوية، فالغراب في الثقافة الشعبية يرمز إلى التشاؤم والموت والصراع، مما يتناسب مع أجواء الرواية التي تدور حول الحرب والدمار. واللون الأسود يعزز الإحساس بالكآبة والضياع، مما يوحي بأن الحرب لم تكن نصرًا للجمهوريين بقدر ما كانت مأساة للجميع.

البناء السردي والزمن:

تعتمد الرواية على السرد الخطي المتسلسل، حيث تسير الأحداث بشكل زمني متتابع دون قفزات زمنية، هذا يمنحها طابعًا توثيقيًا مباشرًا، ما يعزز إحساس القارئ بأنه يعيش الأحداث مع الشخصيات لحظة بلحظة. يسهم هذا الأسلوب في نقل أجواء الحرب والحصار بطريقة واقعية، حيث لا يتشتت القارئ بين فترات زمنية مختلفة، بل يبقى مشدودًا إلى تطور الأحداث تدريجيًا.

السرد يغلب عليه الطابع الحيادي والتقريري أحيانًا، حيث ينقل الكاتب الوقائع كما هي دون تدخل مباشر في تفسيرها، مما يجعل القارئ أكثر انخراطًا في الأحداث. ورغم التسلسل الزمني الواضح، فإن هناك لحظات تباطؤ في السرد، خاصة في المشاهد التي تعكس حياة الشخصيات اليومية أثناء الحصار، مما يضيف طابعًا تأمليًا على بعض الأجزاء من الرواية.

أحد المقاطع تبدأ بموقف قيادي من قائد اللواء الذي يحدد الهدف العسكري، مما يخلق توترًا دراميًا يمهد لأحداث قادمة.

ينتقل السرد إلى السياق الشخصي للبطل (منصور)، حيث يصف وصولهم إلى مأرب من خلال تصورات ذهنية عن المدينة، ما يعكس تطلعاته أو تخيلاته قبل مواجهته للواقع.

استخدام الوصف البصري (الشوارع، المقاهي، المطاعم، المباني القديمة، الظلام، المصابيح اليدوية) يمنح القارئ صورة حسية واضحة عن أجواء المدينة والحصار.

هناك إيقاع سردي هادئ لكنه مشحون بالتوتر في مشاهد كثيرة، حيث يبدأ أحد المشاهد بحديث عن إرهاب العدو، ثم ينتقل إلى تفاصيل الوصول إلى المدينة والاستعداد للمبيت، مما يعكس مزيجًا من التوتر الحربي والروتين العسكري.

توظيف المكان والزمان

يستخدم الكاتب المكان كعنصر أساسي في رسم المشهد، حيث يوضح الانتقال الجغرافي بين المدن مثل ذمار ومأرب، مما يعكس طبيعة التحركات العسكرية خلال فترة الحصار. كما أن تحديد التوقيت في مقاطع الرواية (بداية شوال/ ديسمبر 1967م) يمنح الرواية طابعًا توثيقيًا يعزز مصداقيتها التاريخية.

اللغة والأسلوب

تتنوع لغة الرواية بين السرد الأدبي الوصفي واللغة المباشرة الجافة، مما يعكس تناقضات الحرب بين اللحظات الإنسانية والتجارب العنيفة. هناك مقاطع فيها الجمل قصيرة ومتلاحقة، مما يجعل الإيقاع سريعًا ويعزز الشعور بالحركة والتفاعل في المشهد.

اللغة المستخدمة عامية قريبة من الفصحى، مع اعتماد تراكيب يمنية محلية، مما يجعل الحوار أكثر طبيعية ومصداقية. والحوار بين الشخصيات يعكس تنوع اللهجات والمستويات الاجتماعية، حيث تتحدث القهوجية بلغة مباشرة، في حين يستخدم البطل لغة أكثر تحفظًا في البداية. واستخدام كلمات مثل "المفرج"، "القهوة"، "القات"، "الماء المبخر" يعكس الطابع اليمني التقليدي. والوصف مكثف ومباشر، خاصة في تصوير المعارك وظروف الحصار، دون مبالغات عاطفية مما يعكس الواقع.

استخدام اللهجات اليمنية في الرواية

يُعد توظيف اللهجات المحلية في الأدب أحد العناصر التي تعطي العمل طابعًا واقعيًا، وتُقرب القارئ من البيئة الثقافية والاجتماعية التي يدور فيها السرد. في "طيور سوداء تشبه الغربان" اعتمد عبد الله الأحمدي على استخدام بعض اللهجات اليمنية، وخاصة لهجات المناطق التي تأثرت بشكل مباشر بحصار صنعاء.

استخدام اللهجات في الرواية يُحقق أهداف عدة:

تعزيز الأصالة السردية:

من خلال إضفاء واقعية على الحوارات بين الشخصيات، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يسمعها بالفعل.

تمييز الطبقات الاجتماعية:

حيث يمكن من خلال اللغة واللهجة أن نفهم الفروقات بين الشخصيات، سواء كانت من الفلاحين، الجنود، أو القادة السياسيين.

إبراز التنوع الثقافي في اليمن:

يُظهر الأحمدي كيف أن اليمن ليست كيانًا لغويًا موحدًا، بل تتنوع لهجاتها لتعكس تعدد الهويات داخل البلد الواحد.

ومع أن استخدم الأحمدي اللهجة اليمنية في بعض الحوارات، أضفى على النص واقعية وحميمية، لكنه قد يشكل تحديًا للقارئ غير اليمني وقد يحد من انتشار الرواية عربيًا.

الشخصيات والتطور الدرامي:

تعتمد الرواية على شخصيات واقعية مستمدة من ذاكرة الكاتب، مما يضفي على العمل أصالة وصدقًا، تتطور الشخصيات في ظل الظروف القاسية، حيث نشهد تحولها من مجرد أفراد عاديين إلى رموز للصمود والمقاومة يعكس هذا التطور النفسي طبيعة الإنسان في مواجهة الأزمات، ويضفي على الرواية بعدًا نفسيًا عميقا.

بناء الشخصيات والتفاعل بينها:

غياب البطل الفردي:

لا يوجد بطل فردي واضح، بل يعتمد السرد على مجموعة شخصيات متشابكة، مما يعكس طبيعة الحرب التي لا تصنع أبطالًا حقيقيين، بل تُنتج ناجين.

حتى منصور لا نستطيع أن ننصبه بطلًا للرواية حيث يتم تقديمه كشخصية متأملة تراقب التفاصيل، مما يجعله وسيطًا بين القارئ؛ كونه الراوي (الشخصية الرئيسية) يبدو أكثر مراقبة للوضع، حيث يعبر عن مشاعره الداخلية وتردده في التعامل مع النساء، مما يعكس نوعًا من التحفظ الاجتماعي أو انعدام الخبرة في هذا الجانب.

الطويل: شخصية واثقة ومنطلقة، وهو يبدو نقيضًا للبطل في تعامله مع النساء، مما يخلق نوعًا من التباين في التجربة الحياتية بين الشخصيتين؛ حيث يتم تقديمه كشخص متمرس في التعامل مع النساء، وهو ما يجعله محط إعجاب أو غيرة ضمنية من البطل.

القهوجيات (فاطمة وعتيقة ولطيفة وغيرهن): يقدمن نموذجًا للمرأة التي تمتلك حضورًا قويًا في المشهد.

القائد العسكري: يمثّل سلطة الحرب والتخطيط الاستراتيجي، حيث يتحدث بلغة عسكرية مباشرة عن أهدافهم.

بعض الشخصيات تظهر بدور المتمرس مثل:

أحمد إبراهيم: يظهر كجندي متمرس يهتم بالتفاصيل اليومية مثل الوقت والساعات الفاخرة، مما يعكس جانبًا إنسانيًا وسط أجواء الحرب.

الشخصيات تتراوح بين:

• المقاتل الأيديولوجي: الذي يعتقد أنه يخوض حربًا عادلة.

• الانتهازي: الذي يرى في الحرب فرصة للنفوذ.

• الضحية: سواء كان مدنيًا أم جنديًا، وهو الطرف الأكثر حضورًا في الرواية.

بعض الشخصيات لم تتطور بشكل كافٍ، مما جعلها أقرب إلى أدوات سردية تخدم الحدث أكثر من كونها شخصيات ذات أبعاد.

الحرب هنا ليست بطولة بل مأساة جماعية، والجميع فيها إما ناجٍ بالكاد أو ضحية.

تنوع الدوافع بين الشخصيات:

• البعض يقاتل بدافع الأيديولوجيا والإيمان بالجمهورية وآخرون تحركهم المصلحة الشخصية، مما يجعل الصراع أكثر واقعية.

• آخرون يدخلون الحرب بحثًا عن المكانة والسلطة.

• وهناك شخصيات تورطت في الحرب بلا اختيار، مما يعكس واقع كثير من الصراعات الداخلية.

• الشخصيات في الرواية ليست نمطية؛ فالجمهوري ليس دائمًا بطلاً، والملكي ليس دائمًا خائنًا، مما يعكس تعقيد الحرب.

• هناك غياب شبه تام للدور الفاعل للمرأة حيث لم تظهر إلا في صورة القهوجية (بائعة القهوة والهوى) مما يعكس رؤية الكاتب لدور المرأة في تلك الفترة أو ربما نقدًا غير مباشر لغيابها عن المشهد السياسي.

القهوجيات (بائعات القهوة والهوى):

• وجودهن في الرواية قد يكون تعبيرًا عن تلاشي القيم في زمن الحرب، حيث يصبح البقاء هو الهدف الأساسي، بغض النظر عن الوسيلة.

• يمكن أن تكون أيضًا صورة للاستغلال الذي يتعرض له الضعفاء في زمن الفوضى، حيث تصبح النساء أكثر عرضة للوقوع ضحايا لهذه الظروف القاسية.

• الغياب التام للمرأة في أدوار أخرى يطرح تساؤلات حول رؤية الكاتب لدور النساء في تلك المرحلة من التاريخ اليمني.

دلالة وجود "القهوجية" في الرواية:

في ظل الحرب، أصبحت الحياة اليومية أكثر قسوة، ومع غياب أي مظاهر للراحة أو الطمأنينة، تحولت بعض الأماكن إلى ملاذات مؤقتة للجنود.

يمكن اعتبار وجودهن في الرواية انعكاسًا لحالة انهيار القيم في زمن الحرب، حيث تصبح النجاة هي الهدف الأساسي، بغض النظر عن الوسائل.

البعد النفسي والاجتماعي لهذه الظاهرة:

غياب الأهل والأمان دفع الجنود إلى البحث عن دفء بديل، ولو كان مؤقتًا. ويُمكن اعتبار هذه العلاقة نوعًا من الهروب من الواقع، حيث يجد الجنود في هذه الأماكن عالمًا مؤقتًا بعيدًا عن الدماء والحرب.

رؤية الكاتب لهذه الظاهرة:

لم يُقدّم الكاتب "القهوجية" من زاوية وعظية أو أخلاقية، بل عرضهن كجزء من الواقع الاجتماعي للحرب. وغياب أي دور آخر للمرأة في الرواية (بإستثناء ذكر المضيفة) يعزز فكرة أن النساء في زمن الحرب يصبحن ضحايا بشكل أو بآخر، إما بالجسد أو بالجوع أو بالإقصاء.

تحليل هذا التناول لدور المرأة هل هو انعكاس للواقع أم انتقاء سردي؟

يمكن تفسير هذا الغياب بأنه خيار سردي يعكس رؤية الكاتب للأحداث من زاوية الرجال الذين خاضوا المعارك وعاشوا الحصار في صنعاء، ما جعله يركز على الجانب العسكري والسياسي دون التطرق لحياة النساء في تلك الفترة. ومع ذلك، لا يعني هذا أن النساء لم يكن لهن دور حقيقي في الواقع.

إظهار القهوجيات في دور (بائعات الهوى) دلالة رمزية أم واقعية؟

اختيار الكاتب التركيز فقط على القهوجيات، بائعات الهوى، قد يحمل دلالة رمزية، حيث يربط بين الحرب والانحلال الأخلاقي، أو ربما يعكس كيف أن النساء في تلك الظروف لم يكنّ سوى ضحايا لظروف الحرب القاسية، حيث اضطرت بعضهن لهذا الطريق للبقاء على قيد الحياة. وقد يكون أيضًا إشارة إلى استغلال المرأة في فترات الحروب كجزء من الانهيار الاجتماعي الذي تسببه الحرب.

هل كان يمكن للرواية تقديم صورة أوسع لدور المرأة في الرواية؟

نعم، من خلال تسليط الضوء على النساء اللواتي لعبن دورًا في المقاومة أو في الحياة اليومية تحت الحصار، مثل الأمهات اللواتي واجهن الجوع مع أطفالهن، أو الممرضات اللواتي عملن في علاج الجرحى، رغم أن التاريخ اليمني يوثق مثل هذه الأدوار.

نبات القات في الرواية:

يُعد القات من العناصر البارزة في الرواية، حيث يذكره الكاتب بشكل متكرر، مما يعكس دوره المحوري في الحياة اليومية لليمنيين، حتى في ظل الحصار والحرب.

يمكن النظر إلى ذكر القات في الرواية من زوايا نقدية عدة:

القات كجزء من الحياة اليومية:

من خلال تكرار الإشارة إلى القات، يُبرز الكاتب كيف أنه عنصر أساسي في الثقافة اليمنية، حيث لم يكن استهلاكه يتوقف حتى في أشد الأوقات صعوبة.

القات كوسيلة للهروب من الواقع:

في سياق الحصار والمعاناة، قد يكون القات بمثابة آلية نفسية للهروب من قسوة الواقع، حيث يجد المقاتلون والمدنيون في جلسات القات فرصة للحديث وتناسي الظروف الصعبة. ويوحي تكرار ذكر القات بأنه جزء من محاولة التأقلم مع الحرب والجوع والخوف، وكأنه طقس يومي يخفف من وطأة المأساة.

القات وتأثيره على رؤية الشخصيات للأحداث:

من خلال تكرار جلسات القات، يُمكن القول إن الشخصيات، رغم انغماسها في الحرب، كانت تعيش في حالة من الإدراك المشوش، بين الوعي بالأزمة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات واضحة.

كثير من الحوارات السياسية والمداولات التي قد تكون حاسمة تحدث في أجواء جلسات القات، مما يُضعف التركيز والمنطق ويزيد من العشوائية في اتخاذ القرارات، كما هو الحال في بعض النزاعات السياسية في الرواية.

الحرب والقات: دوامة بلا مخرج

مثلما يُسبب القات نشاطًا مؤقتًا يتبعه خمول، فإن الحرب في الرواية تمر بلحظات اشتعال ثم تعود إلى حالة من الجمود، مما قد يكون إسقاطًا على طبيعة الصراع الذي بدا في بعض الأحيان كأنه يدور في حلقات مفرغة.

وقد يكون القات رمزًا للحالة التي عاشها الناس أثناء الحصار: بحث عن تحفيز لحظي، لكنه لا يؤدي إلى حل جذري للمأساة.

أبعاد الصراع في الرواية:

صراع أيديولوجي: بين من يدافعون عن الجمهورية والتحديث، ومن يريدون إعادة الحكم الملكي التقليدي.

صراع طبقي: حيث تنعكس الفجوة بين النخب السياسية والعسكرية من جهة، والطبقات الشعبية التي عانت من تداعيات الحرب من جهة أخرى.

صراعات داخلية: لم يكن الصراع فقط بين الجمهوريين والملكيين، بل امتد ليشمل خلافات داخل معسكر كل طرف، حيث لعبت المصالح الشخصية والتحالفات القبلية دورًا في تعقيد المشهد السياسي.

كيف يعكس الكاتب هذه الصراعات؟

من خلال شخصياته، حيث يظهر كيف تتبدل الولاءات بحسب المصالح.

وعبر المشاهد الحربية التي تصور القتال على الأرض، وتُبرز تكتيكات الصراع بين الطرفين.

الرمزية في الرواية:

الرواية غنية بالرموز التي تعكس الواقع اليمني أثناء الحصار وما بعده، ومن أبرز الرموز المستخدمة:

الطيور السوداء والغربان:

رمز للموت، الفوضى، والخراب الذي تسببت فيه الحرب، وربما إشارة إلى المتربصين بالثورة من الداخل والخارج.

الغربان: رمز لمن يقتاتون على الفوضى، سواء كانوا من الانتهازيين السياسيين أو تجار الحرب.

الطيور السوداء: قد تكون أيضًا صورة للمقاتلين الذين دخلوا الحرب بدوافع مختلفة، لكنهم في النهاية كانوا أدوات للصراع، دون أن يكون لهم قرار حقيقي في مصيرهم.

الدلالات الرمزية وعبارات وردت في الرواية:

"ارتوت الأرض بأمطار شتوية باردة" يمكن أن يرمز إلى غسل الدماء أو التغيير القادم بعد فترة من المعارك والصراعات.

"الملكيون في النقيل والجمهوريون في مأرب" يعكس انقسام البلاد جغرافيًا بين الطرفين المتحاربين.

الإشارة إلى "التسكع لرؤية النساء" ربما تعكس حالة الفراغ والتوتر التي يعيشها المقاتلون، حيث يبحثون عن لحظات ترفيه أو نسيان وسط المعارك.

القات: ليس مجرد نبات يمضغه الشخصيات، بل يبدو رمزًا للحميمية الاجتماعية، حيث يشترك الأفراد في مضغه أثناء تبادل الحديث. كما أن القات يوصف بعبارات مثل "قات سماوي يفتح الرأس"، مما يعكس ثقافة تداوله وأثره النفسي على الشخصيات.

التحفظ مقابل الجرأة:

بعض المشاهد تعكس التفاوت في التجارب الحياتية بين الشخصيات، حيث يحاول البطل تعلم فنون التعامل مع النساء من الطويل، مما قد يعكس صراعًا داخليًا بين الرغبة في التحرر والتمسك بالتقاليد.

المدرسة كمكان للإقامة:

قد ترمز إلى تحوّل أماكن التعليم إلى معسكرات حربية، مما يلمّح إلى تأثير الحرب على الحياة المدنية.

الظلام والمصابيح اليدوية:

تعكس حالة عدم اليقين والخوف التي يعيشها الجنود في بيئة غير مألوفة.

"السيارات رابضة بحمولتها والمدافع تبقى بعيدة"

ربما تشير إلى التحضير لهجوم محتمل أو توتر الجنود.

"أحرقتهم الشمس وأرهقهم الارتزاق"

تصوير المنشقين كأشخاص أنهكتهم الحرب يلمح إلى أن الجنود ليسوا بالضرورة مقتنعين بالقضية التي يقاتلون من أجلها، بل يخوضون الحرب بدافع الضرورة.

مقارنة قاسم منصر بخالد بن الوليد:

هذه مقارنة ساخرة توحي بأن هناك مبالغة في تصويره كبطل، في حين أن ولاءه موضع شك.

الإشارة إلى "السيارات الأمريكية":

يمكن أن تكون تلميحًا إلى دور القوى الخارجية في الصراع اليمني، وربما إلى تأثير الدعم الأجنبي على مسار الحرب.

"القرية السوداء" قد ترمز إلى الموت، الدمار، والمجهول الذي ينتظر الجنود.

"سهل جهران يحتضن الجميع" قد يكون تلميحًا إلى أن الحرب لا تميز بين الأعداء والرفاق، فالجميع داخلها ضحايا.

"ظل الشجرة" قد يكون رمزًا للحماية المؤقتة والراحة الزائفة في خضم الفوضى.

تقييم عام:

بأسلوبه القوي ومحتواه العميق، نجح عبد الله الأحمدي في تقديم عمل أدبي يُحاكي المعاناة الإنسانية ويُسلط الضوء على مرحلة مهمة من تاريخ اليمن. الرواية ليست فقط تأريخًا للحصار، بل هي حكاية صمود وإنسانية، تجعل القارئ يعيد التفكير في معنى الحرب وتأثيرها على الأفراد والمجتمع.

الرواية تمزج بين السيرة الذاتية، والتاريخ، والرمزية، والسرد الواقعي، مما يجعلها شهادة على فترة حرجة من تاريخ اليمن. تعتمد على لغة مباشرة، شخصيات غير نمطية، ورموز تعكس عمق المأساة، لكنها في الوقت نفسه تحمل رؤية نقدية للصراع الداخلي وتأثيراته على المجتمع.

يقدم هذا النص نقدًا غير مباشر للواقع السياسي والعسكري في فترة الحرب اليمنية، عبر شخصيات تعكس انقسامات المرحلة وأزماتها. يعتمد الكاتب على سرد مشحون بالشك والسخرية، مما يجعله نصًا قويًا في كشف التناقضات السياسية والإنسانية. ومع ذلك، يمكن أن يكون أكثر إحكامًا في هيكلة بعض الأجزاء وتعميق بعض الشخصيات.